فصل: القراءات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولما كان من ظهر لشيء بطن عن غيره، ومن بطن لشيء غاب عنه علمه، وكان سبحانه في ظهوره على ذلك بمعنى أنه ليس فوقه شيء، وفي بطونه بحيث ليس دونه شيء، فقد جمعت الأوصاف إحاطة العلم والقدرة، أعلم نتيجة ذلك فقال: {وهو بكل شيء عليم} أي لكون الأشياء عنده على حد سواء، والبطون والظهور إنما هو بالنسبة إلى الخلق، وأما هو سبحانه فلا باطن من الخلق عنده بل هو في غاية الظهور لديه لأنه الذي أوجدهم، وهذا معنى ما قال البغوي رحمه الله تعالى: سأل عمر- رضى الله عنه- كعبًا عن هذه الآية فقال: معناها أن علمه بالأول كعلمه بالآخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن- انتهى.
لأن العلم يستلزم القدرة على حسبه. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{أخذ} مجهولًا {ميثاقكم} بالرفع: أبو عمرو {وكل} بالرفع: ابن عامر {انظرونا} من الأنظار: حمزة {الأماني} بسكون الياء: يزيد {لا تؤخذ} بالتأنيث: ابن عامر ويزيد وسهل ويعقوب {وما نزل} بالتشديد مجهولًا: عباس {نزل} بالتخفيف من النزول: نافع وحفص. الباقون: بالتشديد {ولا تكونوا} على الخطاب: رويس {المصدقين والمصدقات} بتشديد الدال فقط: ابن كثير وأبو بكر وحماد {بما أتاكم} مقصورًا من الإتيان: أبو عمرو {فإن الله هو الغني} بغير الفصل: أبو جعفر ونافع وابن عامر {إبراهام} كنظائره.

.الوقوف:

{الأرض} ج لعطف الجملتين المختلفتين {الحكيم} o {والأرض} ج لاحتمال أن يكون قوله: {يحيى} مستأنفًا لا محل له أو له محل بتقدير هو يحيى وأن يكون حالًا من المجرور في قوله: {له} والجار عاملًا فيها. {ويميت} ج {قدير} o {والباطن} ج {عليم} o {العرش} ط {فيها} ط {كنتم} ط {بصير} o {والأرض} ط {الأمور} o {في الليل} ط {الصدور} o {فيه} ط {كبير} o {بالله} ط {مؤمنين} o {إلى النور} ط {رحيم} o {والأرض} ط {وقاتل} ط {وقاتلوا} ط {الحسنى} ط {خبير} o {كريم} ج لاحتمال تعلق الظرف بقوله: {وله أجر} أو بقوله: {بشراكم} أي يقال لهم ذلك يومئذ أو هو مفعول (اذكر) {فيها} ط {العظيم} o ج وإن وصل وقف على {نوركم} لأن {يوم} قد يتعلق بالنور فيوقف على {نوركم} وقد يتعلق بقوله: {قيل ارجعوا} {نورًا} ط {باب} ط {العذاب} ط {معكم} ط {الغرور} o {كفروا} ط {النار} ط {مولاكم} ط {المصير} o {الحق} ط إلا لمن قرأ {ولا تكونوا} على النهي {قلوبهم} ط {فاسقون} o {موتها} ط {تعقلون} o {كريم} o {الصديقون} o والوصل أولى ومن وقف على {الصديقين} لم يقف على {ربهم} {ونورهم} ط {الجحيم} o {والأولاد} ط {حطامًا} ط {ورضوان} ط {الغرور} o {ورسله} ط {من يشاء} ط {العظيم} o {نبرأها} ط {يسير} o ج لاحتمال تعلق اللام بما قبله أو بمحذوف أي ذلك لكيلا {أتاكم} ط {فخور} o لا لأن ما بعده بدل {بالبخل} ط {الحميد} o {بالقسط} ط o للعطف ظاهرًا مع أن إنزال الحديد ابتداء إخبار غير مختص بالرسل {بالغيب} ط {عزيز} o {مهتد} ج لأن الجملتين وإن اتفقتا لفظًا إلا أن الأولى للبعض القليل والثانية للكثير فيبنى على الاستئناف {فاسقون} o {ورحمة} ط لأن ما بعدها منصوب بابتدعوا المقدر {رعايتها} ط لأن الجملتين وإن اتفقتا لفظًا إلا أن قوله: {فآتينا} ليس جزاء ترك الرعاية إنما هو تمام بيان الفرقة بين الفريقين فيرجع إلى قوله: {فمنهم مهتد} {أجرهم} o ط لما مر {فاسقون} o {ويغفر لكم} ط {رحيم} o لا وقد يجوز الوقف بناء على أن المراد ذلك ليعلم {يشاء} ط {العظيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
التسبيح تبعيد الله تعالى من السوء، وكذا التقديس من سبح في الماء وقدس في الأرض إذا ذهب فيها وأبعد.
واعلم أن التسبيح عن السوء يدخل فيه تبعيد الذات عن السوء، وتبعيد الصفات وتبعيد الأفعال، وتبعيد الأسماء وتبعيد الأحكام، أما في الذات: فأن لا تكون محلًا للإمكان، فإن السوء هو العدم وإمكانه، ثم نفي الإمكان يستلزم نفي الكثرة، ونفيها يستلزم نفي الجسمية والعرضية، ونفي الضد والند وحصول الوحدة المطلقة.
وأما في الصفات: فأن يكون منزهًا عن الجهل بأن يكون محيطًا بكل المعلومات، ويكون قادرًا على كل المقدورات، وتكون صفاته منزهة عن التغيرات.
وأما في الأفعال: فأن تكون فاعليته موقوفة على مادة ومثال، لأن كل مادة ومثال فهو فعله، لما بينا أن كل ما عداه فهو ممكن، وكل ممكن فهو فعله، فلو افتقرت فاعليته إلى مادة ومثال، لزم التسلسل، وغير موقوفة على زمان ومكان، لأن كل زمان فهو مركب من أجزاء منقضية، فيكون ممكنًا، كل مكان فهو يعد ممكن مركب من أفراد الأحياز، فيكون كل واحد منهما ممكنًا ومحدثًا، فلو افتقرت فاعليته إلى زمان وإلى مكان، لافتقرت فاعلية الزمان والمكان إلى زمان ومكان، فيلزم التسلسل، وغير موقوفة على جلب منفعة، ولا دفع مضرة، وإلا لكان مستكملًا بغيره ناقصًا في ذاته، وذلك محال.
وأما في الأسماء: فكما قال: {وَللَّهِ الأسماء الحسنى فادعوه بِهَا} [الأعراف: 18].
وأما في الأحكام: فهو أن كل ما شرعه فهو مصلحة وإحسان وخير، وأن كونه فضلًا وخيرًا ليس على سبيل الوجوب عليه، بل على سبيل الإحسان، وبالجملة يجب أن يعلم من هذا الباب أن حكمه وتكليفه لازم لكل أحد، وأنه ليس لأحد عليه حكم ولا تكليف ولا يجب لأحد عليه شيء أصلًا، فهذا هو ضبط معاقد التسبيح.
المسألة الثانية:
جاء في بعض الفواتح {سَبِّحِ} على لفظ الماضي، وفي بعضها على لفظ المضارع، وذلك إشارة إلى أن كون هذه الأشياء مسبحة غير مختص بوقت دون وقت، بل هي كانت مسبحة أبدًا في الماضي، وتكون مسبحة أبدًا في المستقبل، وذلك لأن كونها مسبحة صفة لازمة لماهياتها، فيستحيل انفكاك تلك الماهيات عن ذلك التسبيح، وإنما قلنا: إن هذه المسبحية صفة لازمة لماهياتها، لأن كل ما عدا الواجب ممكن، وكل ممكن فهو مفتقر إلى الواجب، وكون الواجب واجبًا يقتضي تنزيهه عن كل سوء في الذات والصفات والأفعال والأحكام والأسماء على ما بيناه، فظهر أن هذه المسبحية كانت حاصلة في الماضي، وتكون حاصلة في المستقبل، والله أعلم.
المسألة الثالثة:
هذا الفعل تارة عدي باللام كما في هذه السورة، وأخرى بنفسه كما في قوله: {وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفتح: 9] وأصله التعدي بنفسه، لأن معنى سبحته أي بعدته عن السوء، فاللام إما أن تكون مثل اللام في نصحته ونصحت له، وإما أن يراد يسبح لله أحدث التسبيح لأجل الله وخالصًا لوجهه.
المسألة الرابعة:
زعم الزجاج أن المراد بهذا التسبيح، التسبيح الذي هو القول، واحتج عليه بوجهين الأول: أنه تعالى قال: {وَإِن مّن شَيْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: 44] فلو كان المراد من التسبيح، هو دلالة آثار الصنع على الصانع لكانوا يفقهونه الثاني: أنه تعالى قال: {وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُود الجبال يُسَبّحْنَ} [الأنبياء: 79] فلو كان تسبيحًا عبارة عن دلالة الصنع على الصانع لما كان في ذلك تخصيص لداود عليه السلام.
واعلم أن هذا الكلام ضعيف (لحجتين):
أما الأولى: فلأن دلالة هذه الأجسام على تنزيه ذات الله وصفاته وأفعاله من أدق الوجوه، ولذلك فإن العقلاء اختلفوا فيها، فقوله: {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ} لعله إشارة إلى أقوام جهلوا بهذه الدلالة، وأيضًا فقوله: {لاَّ تَفْقَهُونَ} إشارة إن لم يكن إشارة إلى جمع معين، فهو خطاب مع الكل فكأنه قال: كل هؤلاء ما فقهوا ذلك، وذلك لا ينافي أن يفقهه بعضهم.
وأما الحجة الثانية: فضعيفة، لأن هناك من المحتمل أن الله خلق حياة في الجبل حتى نطق بالتسبيح.
أما هذه الجمادات التي تعلم بالضرورة أنها جمادات يستحيل أن يقال: إنها تسبح الله على سبيل النطق بذلك التسبيح، إذ لو جوزنا صدور الفعل المحكم عن الجمادات لما أمكننا أن نستدل بأفعال الله تعالى على كونه عالمًا حيًا، وذلك كفر، بل الحق أن التسبيح الذي هو القول لا يصدر إلا من العاقل العارف بالله تعالى، فينوي بذلك القول تنزيه ربه سبحانه، ومثل ذلك لا يصح من الجمادات، فإذًا التسبيح العام الحاصل من العاقل والجماد لابد وأن يكون مفسرًا بأحد وجهين الأول: أنها تسبح بمعنى أنها تدل على تعظيمه وتنزيهه والثاني: أن الممكنات بأسرها منقادة له يتصرف فيها كيف يريد ليس له عن فعله وتكوينه مانع ولا دافع، إذا عرفت هذه المقدمة، فنقول: إن حملنا التسبيح المذكور في الآية على التسبيح بالقول، كان المراد بقوله: {مَا فِي السموات} من في السموات ومنهم حملة العرش: {فَإِنِ استكبروا فالذين عِندَ رَبّكَ يُسَبّحُونَ} [فصلت: 38] ومنهم المقربون: {قالواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ} [سبأ: 41] ومن سائر الملائكة: {قالواْ سبحانك مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا} [الفرقان: 18] وأما المسبحون الذين هم في الأرض فمنهم الأنبياء كما قال ذو النون: {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك} [الأنبياء: 87] وقال موسى: {سبحانك إِنّي تُبْتُ إِلَيْكَ} [الأعراف: 143] والصحابة يسبحون كما قال: {سبحانك فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 191] وأما إن حملنا هذا التسبيح على التسبيح المعنوي: فأجزاء السموات وذرات الأرض والجبال والرمال والبحار والشجر والدواب والجنة والنار والعرش والكرسي واللوح والقلم والنور والظلمة والذوات والصفات والأجسام والأعراض كلها مسبحة خاشعة خاضعة لجلال الله منقادة لتصرف الله كما قال عز من قائل: {وَإِن مّن شَيْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} [الإسراء: 44] وهذا التسبيح هو المراد بالسجود في قوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السموات وَمَا فِي الأرض} [النحل: 49] أما قوله: {وَهُوَ العزيز الحكيم} فالمعنى أنه القادر الذي لا ينازعه شيء، فهو إشارة إلى كمال القدرة، والحكيم إشارة إلى أنه العالم الذي لا يحتجب عن علمه شيء من الجزئيات والكليات أو أنه الذي يفعل أفعاله على وفق الحكمة والصواب، ولما كان العلم بكونه قادرًا متقدمًا على العلم بكونه عالمًا لا جرم قدم العزيز على الحكيم في الذكر.
واعلم أن قوله: {وَهُوَ العزيز الحكيم} يدل على أن العزيز ليس إلا هو لأن هذه الصيغة تفيد الحصر، يقال: زيد هو العالم لا غيره، فهذا يقتضي أنه لا إله إلا الواحد، لأن غيره ليس بعزيز ولا حكيم ومالا يكون كذلك لا يكون إلهًا.
{لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)}.
واعلم أن الملك الحق هو الذي يستغني في ذاته، وفي جميع صفاته عن كل ما عداه، ويحتاج كل ما عداه إليه في ذواتهم وفي صفاتهم، والموصوف بهذين الأمرين ليس إلا هو سبحانه.
أما أنه مستغن في ذاته وفي جميع صفاته عن كل ما عداه فلأنه لو افتقر في ذاته إلى الغير لكان ممكنًا لذاته فكان محدثًا، فلم يكن واجب الوجود، وأما أنه مستغن في جميع صفاته السلبية والإضافية عن كل ما عداه، فلأن كل ما يفرض صفة له، فإما أن تكون هويته سبحانه كافية في تحقق تلك الصفة سواء كانت الصفة سلبًا أو إيجابًا أو لا تكون كافية في ذلك، فإن كانت هويته كافية في ذلك من دوام تلك الهوية دوام تلك الصفة سلبًا كانت الصفة أو إيجابًا، وإن لم تكن تلك لزم الهوية كافية، فحينئذ تكون تلك الهوية ممتنعة الانفكاك عن ثبوت تلك الصفة وعن سلبها، ثم ثبوت تلك الصفة وسلبها، يكون متوقفًا على ثبوت أمر آخر وسلبه، والموقوف على الموقوف على الشيء موقوف على ذلك الشيء، فهويته سبحانه تكون موقوفة التحقق على تحقق علة ثبوت تلك الصفة أو علة سلبها، والموقوف على الغير ممكن لذاته فواجب الوجود لذاته ممكن الوجود لذاته، وهذا خلف، فثبت أنه سبحانه غير مفتقر لا في ذاته، ولا في شيء من صفاته السلبية ولا الثبوتية إلى غيره، وأما أن كل ما عداه مفتقر إليه فلأن كل ما عداه ممكن، لأن واجب الوجود لا يكون أكثر من واحد والممكن لابد له من مؤثر، ولا واجب إلا هذا الواحد فإذن كل ما عداه فهو مفتقر إليه سواء كان جوهرًا أو عرضًا، وسواء كان الجوهر روحانيًا أو جسمانيًا، وذهب جمع من العقلاء إلى أن تأثير واجب الوجود في إعطاء الوجود لا في الماهيات فواجب الوجود يجعل السواد موجودًا، أما أنه يستحيل أن يجعل السواد سوادًا، قالوا: لأنه لو كان كون السواد سوادًا بالفاعل، لكان يلزم من فرض عدم ذلك الفاعل أن لا يبقى السواد سوادًا وهذا محال، فيقال لهم يلزمكم على هذا التقدير أن لا يكون الوجود أيضًا بالفاعل، وإلا لزم من فرض عدم ذلك الفاعل أن لا يكون الوجود وجودًا، فإن قالوا: تأثير الفاعل ليس في الوجود بل في جعل الماهية موصوفة بالوجود،
قلنا: هذا مدفوع من وجهين الأول: أن موصوفية الماهية بالوجود ليس أمرًا ثبوتيًا، إذ لو كان أمرًا ثبوتيًا لكانت له ماهية ووجود، فحينئذ تكون موصوفية تلك الماهية بالوجود زائدة عليه ولزم التسلسل وهو محال، وإذا كان موصوفية الماهية بالوجوه ليس أمرًا ثبوتيًا، استحال أن يقال: لا تأثير للفاعل في الماهية ولا في الوجود بل تأثيره في موصوفية الماهية بالوجود الثاني: أن بتقدير أن تكون تلك الموصوفية أمرًا ثبوتيًا، استحال أيضًا جعلها أثرًا للفاعل، وإلا لزم عند فرض عدم ذلك الفاعل أن تبقى الموصوفية موصوفية، فظهر أن الشبهة التي ذكروها لو تمت واستقرت يلزم نفي التأثير والمؤثر أصلًا، بل كما أن الماهيات إنما صارت موجودة بتأثير واجب الوجود، فكذا أيضًا الماهيات إنما صارت ماهيات بتأثير واجب الوجود، وإذا لاحت هذه الحقائق ظهر بالبرهان العقلي صدق قوله تعالى: {لَّهُ مُلْكُ السموات والأرض} بل ملك السموات والأرض بالنسبة إلى كمال ملكه أقل من الذرة، بل لا نسبة له إلى كمال ملكه أصلًا، لأن ملك السموات والأرض ملك متناه، وكمال ملكه غير متناه، والمتناهي لا نسبة له ألبتة إلى غير المتناهي، لكنه سبحانه وتعالى ذكر ملك السموات والأرض لأنه شيء مشاهد محسوس، وأكثر الخلق عقولهم ضعيفة قلما يمكنهم الترقي من المحسوس إلى المعقول.
ثم إنه سبحانه لما ذكر من دلائل الآفاق ملك السموات والأرض ذكر بعده دلائل الأنفس فقال: {يُحيي وَيُمِيتُ وَهُوَ على كل شيءٍ قدير} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى:
ذكر المفسرون فيه وجهين أحدهما: يحيي الأموات للبعث، ويميت الأحياء في الدنيا والثاني: قال الزجاج: يحيي النطف فيجعلها أشخاصًا عقلاء فاهمين ناطقين، ويميت وعندي فيه وجه ثالث وهو أنه ليس المراد من تخصيص الإحياء والإماتة بزمان معين وبأشخاص معينين، بل معناه أنه هو القادر على خلق الحياة والموت، كما قال في سورة الملك: {الذي خَلَقَ الموت والحياة} [الملك: 2] والمقصود منه كونه سبحانه هو المنفرد بإيجاد هاتين الماهيتين على الإطلاق، لا يمنعه عنهما مانع ولا يرده عنهما راد، وحينئذ يدخل فيه الوجهان اللذان ذكرهما المفسرون.
المسألة الثانية:
موضع {يحيي ويميت} رفع على معنى هو يحيي ويميت، ويجوز أن يكون نصبًا على معنى: له ملك السموات والأرض حال كونه محييًا ومميتًا.